الناس زمان كانت بيوتهم كبيرة وقلوبهم كمان وكان بيت جدتى من تلك البيوت التى تضم كل أشكال العلاقات الإنسانية قرابه – صداقة . أرحام قريبة وبعيدة ، من يخدمون وكأنه من أهل البيت وقت الغداء الكل يجلس القريب والبعيد – أهل البيت وخدمه – لا فرق ولا تفرقة لذلك تعددت أغراض الحدوته وكان يلتبس علينا الأمر فيمن تقصده جدتى ... إلا أن
هذه الحدوته كانت وثيقة عمل لكل نساء البيت ... فكانت حلقة الحاضرين تتسع لتلك الحدوتة وتبدأها جدتى عادة كلما رأت خنوعا وضعفا فى إحداهن وإنصياعا لإوامر الرجل
سواء كان على حق أو باطل فتنهر ضعفهن وبصوتها الآسر نلمح قوته وإعتزازه من أول " صلى على النبى " ونشعر بأهمية تشجيعنا فنصرخ بحماس " اللهم صلى على النبى ... كان فى واحدة ست ودايما دايما كان فى واحدة ست هى أصل الحدوته أولها وأخرها سببها كان فى واحدة ست ... والست دى صحيح على قد حالها وجوزها يادوب بيقدر يمشى الحال .. لكنها كانت فى كل الأحوال راضية بل فى كثير من الأحيان مبسوطة وحامدة وشاكرة .. القليل فى إيدها كثير وبيرضيها والبيت الفاضى براح وبيكفيها ولمة الجيران ونس وعيون الولاد دفا وطبطبة الراجل أمان الدنيا كله . وروقان ضحكتها لم يعكره إلا بعد أمها عنها وعجزها أن ترعاها دون أن تثير مشاكل بينها وبين زوجها فرغم طيبته إلا إنه حينما تكون أمها هى الطلب فالرفض هو الجواب وتنقلب الطيبة تنمر والطبطبة مخالب تخمش رغبتها فى بر أمها فتخبئها وتتراجع ... مهادنة فتطلب أن يأخذ هو ثواب صلة الرحم وبر الوالدين ويكون همزة الوصل بينها وبين أمها ، فليذهب هو إن كان لا يريد لها الخروج .. فيوافق .. فتلين أكثر وتطمع فى كرمه الذى يعز كثيرا عندما يأتى الأمر إلى أمها فتطلب أن ترسل معه غدوه بسيطة فتثور ثائرته ويتهمها إنها إنما تهدر رزق أولاده وينفر الطبع السئ كعرق الغضب فى وجهه فلا ترى غيره ولا يعطيها الأمان .. فيعد عليها قطع اللحم قبل أن تسويها ويوم خبيزها يحصى قطع الأرغفة
ولان الكلام بينهما أصبح كالكرة المطاط التى كلما قذفتها ناحيته أرجعها إليها بكل قوته فقد قررت الأ تطيل حبال الصبر
أكثر من ذلك فليفعل ولتقتطع هى من القطعة قطعة ومن العجين عجينة ومن غدوة أولادها أكلة لأمها تسويها طاجن من اللحم وتضعة فى سبت صغير تحوطه الأرغفة وبعض من غسيل أمها ويحمله ليوصل أمانه على أنها من أحدى الجارات محذره إياه أن لا ينكسر ما فى السبت ... توالت مشاوير السبت وتعددت أعذاره من جاره ترسل تحيات من صنع يديها إلأى جارة ترسل طاجنها الفخار لتدخله الأم فى فرنها القديم لتزيده صلابه .. لكنه أبدا لم يعترض أو يختلق الأعذار لعدم الذهاب بل هو من كان يسعى للذهاب فقد كان يحن للراحة بين يدى الأم ينصت لفيض الدعوات التى يلهج بها لسانها فينسلت من قلبه كل شائبة كره أو بغض .. بل هو بالفعل يحبها ويخاف عليها .. هكذا همس لنفسه حتى جاء يوم قام من فوره يسعى لأمرأته يفك الأسر عنها ويسمح لها بالذهاب .. تهللت زوجته وسألته إن كان قد شعر بظلمه لأمها فأعترف أن نعم فسألته إن كان يغضب منها لو منعته من هذا الظلم فقال ليتك فعلت ... فصارحته وطالبته أن يحمد ربه وأنها قد فعلت كيت وكيت و ........ورغم ندمه أولا وتسليمه ثانيا فإن عينيه ظلت تشى أنه لا يأمن مكرها وأنه لابد يسترضيها ويرضيها فهى إن أرادت فلابد هى فاعلة
وأغلب الظن أن تلك الوثيقة من أفكار جدتى فهكذا كانت إن أرادت فعلت